الجمعة، 31 يناير 2014

تنقيح المناهج الدينية.. في الجزيرة العربية المحتلة


تنقيح لا تصحيح



مناهج التعليم الديني وإنتاج التطرّف والتكفير



(1 من 2)



سعد الشريف



أجمعت التحقيقات المحلية والأجنبية على أن مناهج التعليم الديني الرسمي مسؤولة عن إنتاج التطرف، وتالياً الإرهاب، الأمر الذي يستوجب مراجعة شاملة ونقدية للمناهج من أجل تصحيحها وزرع قيم التسامح الديني، واحترام معتقد الآخر، وإرساء أسس التعايش بين المعتقدات..

تأخرت المراجعة طويلاً، وجاءت النتائج مخيّبة، وكأن الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة، فكان دوره شكلياً، فيما أبقى على المضمون ذاته، فلا يكاد تجد في المنطلقات والنتائج أدنى تغيير..وهذا ما سوف نلحظه في الدراسة التي بين أيدينا حول منهج التعليم الديني، وبالاستناد على مقرر (التوحيد) بدرجة أساسية في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في آخر طبعة صادرة عن وزارة التربية والتعليم، أي لعامي 2012/2013 ـ2013/2014.

قدّمت جهات عدّة خارجية مطالعات نقدية في منهج التعليم الديني الرسمي، من بينها دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الجامعيين والخبراء التربويين بإشراف المحامي عبد العزيز القاسم بعنوان (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي..استقراء، تحليل، تقويم) راجع فيها مواد العلوم الدينية/الشرعية في التعليم السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتوصّل الى أن (مقررات «التوحيد» غير متوافقة مع المعايير العلمية لنمو الطالب)، وطالب الفريق بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة الى كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي (لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب). المشروع كما يبدو كان طموحاً الى حد أن القائمين عليه اعتبروه (لبنة أولى من مشروع إصلاحي واسع يطمح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة والشعب السعوديين في مجال تدريس المواد الدينية، يبدأ بإجراءات التقويمات الضرورية، ويفضي إلى وضع تصوّر جديد للمناهج والمقررات والفلسفة التي تحكمهما).

ومن بين أهم ما توصل إليها الفريق أن (اختلال تنظيم القيم في المقررات الشرعية للمرحلة الابتدائية، خاصة في قيمتي المسؤولية والاعتدال، ما يؤسس في الطالب معرفة جدالية لا يتخلق معها بمكارم الأخلاق، وتساهم في انقطاعه عن محيطه الإنساني وتفقده التوازن في إدارة الاختلاف والتنوع).



محمد يوسف، أستاذ التربية بجامعة الملك عبد العزيز والذي ألّف كتاباً عام 2004 حول إعادة هيكلة نظام التعليم السعودي، كتب ما نصّه (بات واضحاً أن أحد أهم أسباب الإرهاب هو احتكار مجموعة معينة من الناس لصياغة المناهج التعليمية في المملكة)، فيما قال أحمد المعدي خبير الشريعة والكاتب (أن هناك افراداً بعينهم لهم آراء متطرفة في الاسلام وإنه يجب إدخال التغييرات على الكتب المدرسية برؤية واقعية هي أن الاسلام دين مودة).

دوايت بشير، كبير المحللين السياسيين بالمفوضية الأمريكية للحريات الدينية في العالم التي زارت المملكة عام 2007 وأصدرت تقريراً عن الكتب المدرسية السعودية، كتبت ما نصّه (قلقنا من هذه الكتب يكمن في أن التفسير محافظ بشدة وينطوي على فهم ضيق (الافق للاسلام) يشجع عدم التسامح في بعض الحالات).

وخلال ملتقى الحوار الوطني الثاني بمكة المكرمة بتاريخ 27 كانون الأول (ديسمبر) 2003، تحت عنوان (الغلو والاعتدال..رؤية منهجية شاملة)، قدّم الباحثان إبراهيم السكران والمحامي الإصلاحي عبد العزيز القاسم بحثاً رصيناً حول المناهج الدينية تحت محور (المقررات الدراسية الدينية، أين الخلل؟) وكان عنوان البحث (قراءة في فقه التعامل مع الآخر والواقع والحضارة في المقررات).

كرّس الباحثان الورقة لمراجعة مناهج العلوم الدينية في التعليم الحكومي للبنين لعدد من وسائل التقويم الفقهية منها: (قراءة عناية المنهج بالمشاركة المدنية التي تقدم للمتلقي قنوات التعبير السلمي البناء عن قناعاته ومصالحه، بحيث لا يتركز المنهج على تكوين قناعة المتلقي بالانفصال عن مؤسسات مجتمعه؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن ينفرد بمبادرات خارج قنوات المجتمع المشروعة).

وتكشّفت لدى الباحثين من خلال دراسة المقررات (أن اضطراباً شديداً يموج بمحتوياتها، في قضايا جوهرية تمس طمأنينة الطالب، وحقوق المسلمين، وأصول التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين، وقواعد التعامل مع المعارف والحضارات، وهو اضطراب يخالف أصول الشريعة..).

يلفت الباحثان الى أسس الرؤية الدينية المطلوبة، مثل القبول بمبدأ الاختلاف باعتباره سنّة (كونية الاختلاف الإنساني، وتعميق الإيمان بالتعددية المشروعة أو المعذورة داخل دائرة الإسلام، وترسيخ التواضع للحق ونبذ الزهو المذهبي، وتكريس القيم الشرعية للتعايش والمحبة والمودة، وتقرير أخلاقيات إنصاف المخالف واجتناب بخسه حقه أو غمطه ما معه من الصواب، وتعليم النشء وتدريبهم على مراعاة معيار القدرة والوسع الشرعي في الاجتهاد، وبيان أعذار المجتهدين وغير ذلك من قضايا الاختلاف المقررة في الكتاب والسنة وفقه الأمة). هذه الرؤية الغائبة في مقررات التعليم العام هي المسؤولة عن تنامي نزوعات التطرّف، ووقوع القطيعة بكل أشكال الكراهية المدسوسة فيها. ولذلك فإن (مقرراتنا المدرسية لم تنجح في تقديم رؤية متسقة في هذه القضايا، بل كان الاضطراب والتناقض هو السائد في ما عرضته المقررات من أصول وتعليمات..) حسب الباحثين.

حتى عام 2006 كانت مقررات التعليم الديني الحكومي مليئة بالنصوص المباشرة المحرّضة على التطرّف والعنف والتي يمكن استعراض بعضها بصورة عاجلة.

ففي مقرر التوحيد والفقه للصف الثاني الابتدائي للسنة الدراسية 2005 ـ 2006، جاء في باب الشرك (أن من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والسجود، وغير ذلك، فهو مشرك كافر، ولو صلى وصام وحج واعتمر وزعم أنه مسلم).

وتكرر الحكم بصيغة أخرى في (ص 19) كتاب التوحيد والفقه للصف الثالث الابتدائي للعام نفسه.

وجاء في (التوحيد والحديث والفقه والتجويد ـ ص18) للصف السادس الابتدائي للفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 2007 ـ 2008 أن طلب الشفاعة من الأوثان أو من أصحاب القبور بالاتجاه اليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل وهو من الشرك بالله.

وتكرر الحكم بصياغة أخرى في الفصل الدراسي الثاني من المقرر نفسه لسنة 2007 ـ 2008 في باب نواقض الاسلام (ص 10)، وجاء فيه (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، كفر). وتكرر حكم التكفير في الصفحة التالية.

وجاء في مقرر التوحيد للصف الأول المتوسط لسنة الدراسية 1427/1428 ـ 2007 ـ2008 في (ص49): (وهذا هو الواقع أيضاً في بعض من ينتسبون إلى الاسلام، فيعبدون الله، ويعبدون معه غيره من أصحاب القبور بالذبح لها، والطواف حولها، وغير ذلك فوقعوا في الشرك الأكبر).

وجاء في المقرر نفسه في ص 52: (أن من بين من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة).

وجاء في مقرر التوحيد للصف الثاني المتوسط للسنة الدراسية 1437 ـ 1438/2007 ـ2009 وفي مدخل باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟ ص28: (عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر).

وتكرر الحكم في مكان آخر في (ص 35)، حين الحديث عن الغلو في قبور الصالحين، حيث جاء في المدخل: (الغلو في تعظيم قبور الصالحين يجعلها أوثاناً تعبد من دون الله سبحانه).

وجاء في مقرر التوحيد للصف الثالث الثانوي قسم العلوم الشرعية العربية بنين للسنة الدراسية 1427 ـ1428/2006 ـ2007، وفي باب أنواع الشرك: (شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار)..(ص 13 ـ14) ومثاله: (ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الاولياء والصالحين). وتكرر الحكم في الصفات التالية (17، 18،19).

وفي الردّة بالقول (ص31): دعاء غير الله أو الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه الا الله أو الاستعاذة به في ذلك.

والردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها. ص31

ومن المعلوم أن حكم الردة يصل الى القتل بعد استتابة صاحبها.

وفي حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها، ذُكِرَ منها (ص127): (ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً الى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم،وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة. ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها).

تلك عيّنة عشوائية من النصوص الواردة في مقررات التعليم الديني الرسمي، وهي كفيلة بأن تغرس مشاعر الكراهية في أبناء الوطن الواحد وأن تحيل أتباع المذهب الرسمي الى عناصر متطرفة وقد يتم توظيفهم من قبل الجماعات الارهابية أو أن ينتقلوا الى مشاريع قتال خارج الحدود..

فالرؤية الكونية القائمة على قاعدة أن الآخر بكل أنواعه وانتماءاته الدينية والمذهبية كافر، فإن الترجمة العملية لذلك هو تحويل الاخر الى هدف جهادي، على أساس أن مقاتلة الكفّار واجبة، بحسب النصوص الأصلية للمدرسة الوهابية..

كلام طويل قيل عن تنقيح المقررات الدينية في التعليم الرسمي السعودي، ولكن هل حقاً تم سحب فتيل التطرف من خلال هذه العملية، وهل المشكلة مقتصرة على التنقيح أم أن المطلوب هو تصحيح وليس تنقيح، خصوصاً إذا ما عنى التنقيح مجرد الاختصار أو إضافة جمل اعتراضية يسبغ عليها مفردة (إثرائية) لتجميل العبارة وليس بهدف تصحيح الفكرة..

ما هو جدير بالالتفات أيضاً أن من يتولى تدريس المقررات الدينية في المدارس الحكومية هم من تشرّب المعتقدات الأصلية للمذهب الرسمي، أي أنهم ينتمون لنفس المدرسة الفكرية وهم أمناء عليها بل يعتبرون من واجبهم نقل ما لديهم من هداية الى من هم مسؤولون عن هدايته بحسب التعاليم المذهبية التي تلقوها هؤلاء في الجامعات الدينية، وفي أدبيات المذهب، وفي حلقات الدرس الديني..

لا يكترث مدرس المادة وهو المؤتمن على حراسة المذهب وصون مبادئه ونشر تعاليمه لكل تنقيح طرأ على مناهج التعليم الديني في المدارس الحكومية، فهو يتحرر من كل ذلك في حال شرح عقيدة التوحيد، ويبوح بما يستره المنهج.

في السابق، كان المقرر يعرض عقيدة التوحيد ويصوّر أتباعها بأنها الفرقة الناجية، وأن ماعداها فرق الهلاك، ولا بد من مقاتلتها، والآن يبقى كل شيء على حاله ماعدا حكم المقاتلة الصريحة التي يتولى الإفصاح عنها مدرّس المادة، أو خطيب المسجد، أو الدعاة الذين يجوبون مناطق المملكة لإبلاغ رسالة المذهب.

باختصار، في السابق تؤسس المقررات الدينية في التعليم الرسمي لعقيدة تكفير الآخر وتختتم بحكم وجوب مقاتلته، أما بعد التنقيح المزعوم فهو يؤسس لتكفير الآخر مع وقف تنفيذ حكم المقاتلة، إلا بشروط كما سيأتي.

يتشكل الوعي العقدي لدى الطالب على قاعدة التمايز عن الآخر، الذي يبدأ بزملائه في الصف ثم ينسحب الى الناس خارج حريم المدرسة ليصل الى المجتمع برمته وصولاً الى العالم بأسره..

يتعلّم الطالب في الأول الابتدائي عقيدة التوحيد، في أنواعه الثلاثة، ويبدأ بتوحيد الربوبية. فقد خصّص كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) المطبوع من قبل وزارة التربية والتعليم للصف الاول الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1433 ـ 1434 / 2012 ـ 2013، لتدريس (توحيد الربوبية) وهو من بين ثلاث وحدات انفردت فيها المدرسة الوهابية (توحيد الربوبية، وتوحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات). أنواع التوحيد هذه سوف تؤسس في نهاية المطاف لحكم التكفير، حيث يراد للطالب أن يستوعب هذه الانواع بتفاصيلها الدقيقة، حتى يكتسب دمغة (أهل التوحيد)، وإلا أصبح في مكان آخر، وهو الشرك أو الكفر بأحد مستوييه الأكبر والأصغر.

وفي النوع الثالث من التوحيد، أي توحيد الاسماء والصفات، يراد من الطالب حديث السن، أن يستوعب أن الله سبحانه وتعالى جسم لا كالأجسام، من خلال، أولاً: تحديد مكانه سبحانه وتعالى ثم صفاته المادية جلّ وعلا مثل (البصر والسمع والرجل والساق، والاستواء وغيرها).

في سؤال ورد في الصفحة 10 من المقرر: أين الله؟ وكان الجواب: الله فوق السماء.

قد يبدو جواباً عاماً، ولكّنه يؤسس لما بعده من أحكام حيث يحسم أي جدل عقدي داخل المجال الاسلامي، ويلغي الاعتقادات الأخرى، والأخطر أنه يؤسس لنفي الآخر.

وفي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم للصف الثاني الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، جاء في الوحدة الثالثة من المقرر بعنوان (العبادة وما يضادها من الشرك)، ومن موضوعاتها (ص27): عبادة غير الله شرك.

وساق مثالين على الشرك (ص28): السجود لغير الله ودعاء الأموات.

لا يتعامل واضعو المنهج مع الطالب باعتباره شريكاً في صنع الوعي، أو حرّاً في التفكير، أو حتى مختاراً، بل هو هدف لتوجيه عقدي، لا إرادة له فيه ولا يجوز له ذلك، فقد حسم المقرّرون ما يجب عليه أن تكون النظرة إزاء الآخر، فقد أريد تلقين الطالب قسمة المسلمين الى موحّدين وغيرهم من تنطبق عليهم أحكام الشرك والكفر والنفاق والردّة. ويبدأ الطالب بالتعرّف على مواصفاتهم في وقت مبكر من حياته، حيث يوضع عنوان جدلي يستحضر صورة المشركين الأوائل الذي عبدوا غير الله، كيما تضفى مشروعية على الحكم الذي سوف يصدر على المشركين في هذا الزمن. ولذلك بدأ بالكبرى: أن عبادة غير الله شرك، ومثّل لذلك على أساس أنه حقيقة بأن ثمة من يسجد لغير الله أو يدعو الأموات دونه سبحانه، وهنا تفترق الحقيقة الفعلية والأخرى المتخيلة.

وتتدرّج عملية التلقين العقدي، في عملية تصاعدية وتفصيلية. ففي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم، للصف الرابع الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، يتم تقديّم خلاصة العقيدة الوهابية في التوحيد، والتي على أساسها يتم تصنيف من هو المسلم وغير المسلم، بين من هو من (أهل السنة والجماعة) ومن هو خارجها، دع عنك التمايز داخل المجال الاسلامي عموماً.

في الوحدة الاولى بعنوان (التوحيد)، يعرّف التوحيد على أنه: إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وفي التفصيل، يقسم أنواع التوحيد الى ثلاثة (ص8):

ـ توحيد الربوبية: أي الاعتقاد بأن لا خالق الا الله ولا مالك الا الله..

ـ توحيد الألوهية: أن لا نصلي الا لله ولا نتصدق الا لله، ويطلق عليه توحيد العبادة.

ـ توحيد الاسماء والصفات: الايمان بأن الله هو السميع والبصير والحكيم.الخ

يلي ذلك النتيجة أو الحكم: وهذه الأقسام مترابطة، فمن آمن بواحد منها دون الآخر لم يكن موحداً.

ومن هنا تبدأ رحلة تكفير المسلمين.

فتحت عنوان توحيد الربوبية، ثمة عنوان فرعي: إقرار الكفّار بتوحيد الربوبية. ولهذا العنوان حكاية في التكفير، حيث يتساوى المسلمون مع الكفّار في هذا التوحيد ويفترق المسلمون عن الموحّدين عما عداه، أي في توحيد الألوهية وتوحيد الاسماء والصفات.

ففي (ص 11) من المقرر جاء ما نصّه:

(هذا التوحيد أقرّ به الكفَّار على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدخلهم هذا الإقرار في الاسلام لأنهم يعبدون مع الله غيره، فقد كانوا إذا سئلوا: من الذي خلقهم ورزقهم؟ يجيبون: بأن الله هو الخالق الرازق..فهم يقولون ذلك ويعبدون مع الله غيره).

هي الصورة التي سوف تتكرر في كل مقررات التوحيد، ويبنى عليه الحكم بتكفير غالبية المسلمين.

ويرسم المقرّر حدوداً فاصلة بين من هم الموحّدون ومن هم المشركون في ضوء النوعين الآخرين من التوحيد: توحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات.

تحت عنوان: موقف الكفار من توحيد الألوهية:

جاء في (ص 16) ما نصّه:

(كان المشركون يعترفون بأن الله رب كل شيء، ولكنّهم لا يوحدون الله بالعبادة، بل يشركون معه غيره، فيعبدون الأصنام أو الأموات في قبورهم أو الشمس أو الجن أو غيرها من المعبودات).

وبإمكان المطلّع على أدبيات المدرسة الوهابية أن يكشف هوية الكفّار المقصودين هنا، فبحسب هذا التعريف فإن الكفار قد يكونوا أغلب المسلمين الذين يزورون قبور الأولياء من أنبياء وأئمة وصالحين.

ويوضّح الدرس الرابع من المقرر بعنوان (حكم صرف العبادة لغير الله)، حيث جاء:

(من صرف شيئاً من العبادة لغير الله، مثل: أن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، لأنه صرف العبادة لغير الله. وأما في الآخرة فهو من أصحاب النار المخلّدين فيها إذا مات على ذلك).

في الدرس الثامن مقرر التوحيد بعنوان (شروط قبول العبادة ـ ص28)، وردت قصة حمل الإمام زين عبد العابدين علي بن الحسين الطعام الى بيوت الفقراء في المدينة. والغرض من ذكر القصة عن زين العابدين، بوصفه رمزاً علوياً من أهل البيت وله مكانة خاصة عند عموم المسلمين ويعتبر رابع الأئمة الاثني عشر، لإيصال رسالة محدّدة وهي التدليل على توحيد الألوهية.

وهو ما ظهر بوضوح في الدرس الثامن (ص 29) حيث يشترط لقبول العبادة شرطان هما: الاخلاص لله وحده ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

سوف تبقى دورة الوعي العقدي مقتصرة على حدي التوحيد والشرك، وهو ما يعيشه الطالب في كل المراحل الدراسية. فالناس إما موحّدين أو مشركين. فكل ما سوف يواجهّه الطالب في رحلته التعليمية لا يتجاوز الايمان والكفر.

ففي مقدمة كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعلية للصف الخامس الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، جاء: وهذا الكتاب شرح لمسائل التوحيد، من كتاب الأصول الثلاثة للإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب..

وفي الدرس السابع من المقرر بعنوان: استحقاق الله للعبادة. وفي عنوان فرعي بعنوان: حكم من جعل شيئاً من العبادة لغير الله تعالى. وجاء في (ص 30) ما نصّه:

جعل شيء من أنواع العبادة لغير الله، مثل دعاء الأموات والاستغاثة بهم، لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فهو:

شرك وكفر والدليل قول الله تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).

ومن وقع في الشرك فقد حبط علمه والدليل قول الله تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا ما يعملون).

فالمقرر هنا يتعامل مع وقائع محسومة من وجهة نظر واضعيه، فهو يصرف زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين الى ممارسة شركية، أي إشراك غير الله سبحانه في العبادة، وهذا ما يستوجب نقاشاً جديّاً، لأن الأصل في المسلم صحة إعتقاده وسلامته، وإن إثبات ما عداه يتطلب دليلاً، وفحصاً إفرادياً وليس جماعياً، بالرجوع الى قاعدة المعيّن والعموم المعتمدة في عقيدة تكفير الآخر في المدرسة الوهابية.

في الدرس الثامن بعنوان: بعض أنواع العبادة، نقل المقرر في (ص 32) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله:

(وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الاسلام والايمان والاحسان ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى.والدليل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا). وبصرف النظر عن تطابق الدليل مع الموضوع، الا أن الغاية واضحة وهو ما يلي ذلك:

(فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهن له به فإنما حسابه عنده ربه إنه لا يفلح الكافرون)..

حين توضع أسس التمايز بين الموحّد والمشرك، والمؤمن والكافر، لا يعود الحديث عن مذاهب داخل المجال الاسلامي، بل عن من هو المسلم الحقيقي ومن هو غير ذلك.

يكتسب إطار (أهل السنة والجماعة) خصوصية تضع كثيراً من المسلمين السنة خارجه. وسوف نجد أن أهل السنة والجماعة يصبح بحسب الأدبيات الدينية الوهابية، ومنهج التعليم الديني الرسمي جزء منها، ينطبق حصراً وفي هذا الزمن على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق