الأربعاء، 30 يوليو 2014

لن يكون "السيسي" ... وليبيا لن يحكمها ذراري زايد ..... حفتر إلى مزبلة التاريخ



اقتباس:








يكتنف الغموض مصير اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بعد الخسارة المذلة التي تعرضت لها قواته في إطار ما يسميها بـ "عملية الكرامة" أمام الكتائب الإسلامية، التابعة لرئاسة أركان الجيش الليبي في بنغازي، أمس. يأتي هذا فيما تتداول معلومات عن هروب حفتر إلى تونس، على متن طائرة إماراتية، خشية محاولة اعتقاله، وملاحقته قانونيًا، بعد أن فقدت القوات التابعة له السيطرة على معاقلها في بنغازي، واتجاه القوات التابعة للحكومة الليبية لحسم "معركة المطار" في العاصمة طرابلس لصالحها. ولم يصدر أي بيان رسمي من حفتر، أو المتحدث باسمه حول مصير قائد ما تسمى بـ "عملية الكرامة"، بعد أن حرص الأخير على نفي أنباء مماثلة تحدثت في السابق عن فراره إلى خارج البلاد. وكان اللواء الليبي المتقاعد نجا في مطلع الشهر الماضي من محاولة اغتيال بعد تفجير انتحاري يستقل سيارة نفسه، بالقرب من مقر القيادة العامة، (مقر إقامة حفتر) في منطقة المرج في بنغازي. ومنذ منتصف مايو الماضي، دشن حفتر "عملية الكرامة" ضد مسلحين يقول إنهم "إرهابيون مرتبطون برئاسة الأركان الليبية"، في مدينة بنغازي، ما أدى إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط عشرات القتلى. واعتبرت أطراف حكومية تحركه "انقلابًا على شرعية الدولة"، ومحاولة لإفشال ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي.



هزيمة حفتر لن يتوقف صداها وآثارها على الداخل الليبي









حسمت الكتائب الثورية الإسلامية في بني غازي معركتها الفاصلة مع قوات اللواء المنشق خليفة حفتر والتي تتشكل من جزء كبير من الجيش النظامي الليبي بما فيه سلاح الطيران وسلاح المشاة وقوات الصاعقة ومدرعات وغير ذلك ، قبل عدة أشهر بدأت تحركات خليفة حفتر العسكرية في الشرق الليبي بإعلانه أنه قرر إنهاء وجود الثوار الإسلاميين ، الذين أطاحوا بالقذافي ، وأنه أعلن حربا لا هوادة فيها حتى ينهي وجودهم بالكامل مهما كلفه ذلك كما أعلن ملاحقته لمن أسماهم "جماعة الإخوان الإرهابية"



وفي أعقاب ذلك أعلنت قطاعات عديدة في الجيش الليبي في منطقة الشرق ولاءها له وانضمامها لمعركته التي أسماها "معركة الكرامة" ، وحظي حفتر برعاية إعلامية واسعة من صحف عربية وقنوات فضائية عربية كبيرة في مقدمتها بالطبع قناة العربية ، كما حظي بدعم سياسي معلن وعسكري غير معلن تم تسريبه من دول بالمنطقة في مقدمتها دولة الإمارات ، كما حظي بدعم استخباراتي كبير ، واحتفل الإعلام المصري نفسه طويلا بخليفة حفتر واعتبروه "سيسي ليبيا" الذي سيخلصها من الإخوان والإسلاميين



ودشنت حملة تشهير واسعة النطاق تزعمها قيادات عسكرية وأمنية سابقة تحدثت في الفضائيات عن تشكيل ما يسمى "الجيش المصري الحر" في شرق ليبيا ، معتبرة أنها مؤامرة على مصر تستدعي تدخلها هناك ودعم اللواء خليفة حفتر لحماية الأمن القومي المهدد للبلاد ، كما كانت مبررا إضافيا لوضع الآمال على حفتر لتصحيح الأوضاع .



استخدم حفتر سلاح الطيران كما حرك مدرعاته في محاولتين على فترات مختلفة للسيطرة على بني غازي وسحق الكتائب الإسلامية فيها إلا أنه مني بهزيمة في كل مرة حاول فيها ذلك وبدأت الفوضى تنتشر في بني غازي ، ثاني أهم مدن ليبيا وعاصمة الشرق الليبي ومدينة الثورة ، لأنها تفجرت فيها ، فكان أن قررت الكتائب الإسلامية في اجتماعات طارئة التوحد وتشكيل مجلس شورى لقيادة عمليات حماية المدينة وإنهاء الفوضى وإنهاء مغامرات حفتر وحسم الأمر بقوة السلاح لأنه اختار هذا الطريق ، وخاضت معارك ضارية على مدى أسبوعين تقريبا مع عدة معسكرات تمثل قواعد حفتر في المدينة وأطرافها ، وخاصة مقر اللواء 319 مشاة، ومقر الكتيبة 36 الصاعقة، ومعسكر الدفاع الجوي، إضافة إلى السيطرة على مقر الكتيبة 21 التابعة للصاعقة ، ومعسكر الصاعقة أكبر وأهم معسكرات الجيش الليبي في منطقة الشرق بكاملها كما أن القوات الممثلة فيه هي نخبة الجيش الليبي وأفضل مقاتليه عتادا وتدريبا



لم يتخيل حفتر ولا مناصروه في الخارج أن يقوم الثوار بتلك العملية بهذا المستوى من الكفاءة وذلك الإصرار على الحسم ، فانتهى غبار المعارك عن سيطرة الكتائب الثورية الإسلامية على كامل معسكرات المدينة بما فيها معسكر الصاعقة ، وقتل قرابة المائة وأصيب آخرون معظمهم من قوات حفتر ، وفر الباقون إلى جهات غير معلومة واستولى المقاتلون الإسلاميون على العتاد والذخيرة وكل ما خلفته القوات المنهزمة ، وتقوم تلك الكتائب حاليا بتمشيط الشرق الليبي لمحو أي أثر لمغامرة حفتر الذي اختفى ولا يعرف مكانه الآن لأنه لم يظهر منذ بداية المعارك على غير عادته ، ويتردد أنه هرب إلى دولة مجاورة .



التطورات التي شهدها الشرق الليبي تتواصل مثيلاتها حاليا في غرب ليبيا ، وخاصة في معركة مطار طرابلس التي حدثت بالتزامن مع معارك بني غازي ، وإن كانت الكتائب الإسلامية تسيطر فعليا على العاصمة ولكن حسم معركة المطار له رمزية للسيادة ، ويبدو أن كتائب القعقاع والصواعق الموالية لخليفة حفتر تعاني كثيرا في تلك المعركة حسب الأخبار الواردة من هناك . ما يحدث في ليبيا الآن هو انعكاس لتوابع الربيع العربي وثوراته والتطورات التي لحقت بتجاربه في أكثر من بلد ، والانقسام الحاد في العقيدة السياسية للإسلاميين في المنطقة العربية ، بين جناح متشدد يرى أن الثورات لا يحميها إلا السلاح وبين من يرى أن الثورات يحميها النضال السلمي الصحيح وحسن إدارة شؤون البلاد ، وهذا الجدل يمكن الاطلاع عليه بسهولة من خلال الأدبيات المنشورة حاليا على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والنقاشات المستفيضة والتي تصل إلى حد التراشق بين الوجهتين والاتهامات ، التجربة السورية كانت مرجعية "الصقور" في أن الثورة الشعبية أمام نظم قمعية تقوم على قوة السلاح ولا تحترم أي قواعد أخلاقية أو إنسانية وتمارس القتل للمحتجين على نطاق واسع واستخدام السلاح بكل أنواعه أمام الاحتجاجات السلمية لا يمكن مواجهتها إلا بالسلاح وإلا استبيحت من قبل النظام أو من قبل الثورة المضادة ، الجناح الآخر يستند إلى مرجعية التجربة التونسية التي نجحت فيها الثورة السلمية وحافظت على استمراريتها سلميا بفعل حسن إدارة شؤون الدولة بعد انتصار الثورة والنجاح في تحييد المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد والقدرة على صياغة رؤية تشاركية بين القوى المدنية والدينية . في ليبيا الآن مساران متوازيان يعملان ، أحدهما المسار السلمي الديمقراطي حيث أجريت انتخابات برلمانية أعلنت نتائجها ، وسيجرى لها ملحق لبعض الدوائر القليلة التي تعطلت فيها الانتخابات ، ويفترض أن تشكل الحكومة الجديدة من خلال هذا البرلمان ، وهناك مسار عسكري مسلح آخر يجري على الأرض ليحسم قرار الشرعية بقوة السلاح على الأرض ، معتبرين أن المسار الديمقراطي هش ويمكن لأي عسكري مغامر مثل حفتر أن يهدمه بدعم خارجي وينهي كل شيء ويعيد الديكتاتورية ويفرض شرعيته بقوة السلاح ، وقد استشهدوا بتصريحات لحفتر نفسه سابقة بأنه لا يعترف بالبرلمان وأنه مفوض من الشعب بقيادته إلى "الكرامة" الوطنية ! التجربة الليبية خطيرة للغاية ، ولا ينبغي الاستهانة بنتائجها ودلالاتها وتأثيرها على الأوضاع السياسية في مجمل دول المنطقة ، لأنها ستكون ملهمة لأحد الجناحين ، جناح السلمية في الربيع العربي والتيار الإسلامي في القلب منه أو جناح العسكرة والسلاح ، وخاصة في ضوء تطورات الأوضاع في العراق وسوريا ، ومستقبل العلاقة بين الوجهتين تناقضية ، فبقدر ما تنجح التجارب الديمقراطية والتغيير السلمي وقيم المشاركة والتعددية بقدر ما يضعف جناح العسكرة والسلاح ويفقد مرجعيته وشرعيته ومبررات وجوده ، والعكس صحيح ، بقدر ما تتعثر التجارب الديمقراطية وتغيب قيم المشاركة وتفرض سيطرتها السياسات الأمنية الخشنة والدموية كلما عزز ذلك الجناح مرجعيته وعلا صوته ونجح في حشد المزيد من الأنصار وأضعف مسارات السلمية ونداءاتها . بشكل عام ، ما يجري من أحداث مثيرة وتطورات متتالية ومفاجئة وخارج التصور أحيانا في العالم العربي يؤكد أن دول المنطقة ـ بلا استثناء ـ مقبلة على تحولات تاريخية قد تغير وجه الحياة الذي ساد فيها خلال القرن الماضي ، وتعيد تشكيل خريطتها ، ولا يعلم إلا الله المدى الذي ستصل إليه والتكاليف التي ستدفعها شعوبها للوصول إلى النهايات .

جمال سلطان

المصريون



اقرأ المقال الاصلى فى المصريون : http://ift.tt/1nJHARh




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق